وعلا الذهول والدهشة وجوه الحاضرين جميعا … .وتابع "جيمس" كلامه قائلا :
لقد أسلمت على يديك يا شيخ في هذه اللحظة !!… أنا "جيمس"أخوك في الإسلام فسمني باي اسم إسلامي … أنا أريد أن أصلي معك يا شيخ …
وانفجر "جيمس" بالبكاء… وبكى الشيخ "عبد الرحمن" … وبكى كافة الحاضرين في المجلس … حتى صاحب الدار – ذلك الشاب الفاسق الفاجر – بكى من هول الموقف وروعة المشهد وتأثيره !!…
ولما هدأ "جيمس" وكفّ عن البكاء … اعتدل في جلسته ثم أخذ يحدثهم عن سبب إسلامه قائلا:
أيها الاخوة … لقد كنتم في شغل عني وأنتم تتناقشون !!… لقد دُعيت لأتناول معكم
طعام الإفطار … أو أخر غدائي .وحين جئتُ إلى هذا المكان كنتُ أفكر ملياً… نعم كنت أفكر كيف أن الشيخ "عبد الرحمن" شخص من ماليزيا … وهي بعيدة آلاف الأميال عن مكة التي ولد فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم … ومع هذا كله … ومع كونه في بلد غريب كافر … يختلف الجو فيه عن جو بلده ماليز
يا …
مع هذا فهو صائم !!… سألتُ نفسي حينها :
لماذا يصوم هذا الشيخ ؟!!… لماذا يمتنع عن الطعام والشراب ؟!!… وأخذني التفكير إلى احتمالات واسعة متشعبة … وزاد تفكيري حين رأيت الشيخ يتحرى تمرات ليفطر عليها !!… هنا في أقصى الدنيا حيث يعزّ التمر ويقل وجوده !!… يتحراها لا لشيء إلا لأن محمدا عليه الصلاة والسلام نبيه الكريم … كان يفطر على تمرات !!.
ثم رأيت الشيخ يترك الطعام وهو جائع مشتاق إليه … ويترك جميع الحاضرين … ثم يقف يتوجه إلى الكعبة … يصلي لله بخشوع وخضوع وتضرع … يقوم بهذه الحركات التعبدية الرائعة بمفرده … ويصلي معه بعض الحاضرين … في حين ترك اكثر الحاضرين معنا في هذه لدار الصلاة وقصّروا فيها لقد رأيته يسجد لله ويركع لله … ويقوم لله … ويفكر في مخلوقات الله …
والله معه في كل تصرفاته وحركاته وسكناته … ثم رأيت الشيخ يشرب كأسا وهو لا يعلم ما فيها … ومع هذا فهو يخاف الله ويخشاه بعد أن علم ان فيها خمرا … والأعجب من كل ما تقدم … أنه يضع إصبعه في فمه ليتقيأ الطعام والشراب الذي به خمر … غير مبال أو مهتم بأنه يتقيأ أمام ناس وفي غرفة !!… وعلى سجادة فاخرة نظيفة !!…
لقد كان تصرفه هذا حركة طبيعية … ردة فعل حقيقية !!… إنه حين علم أنه قد شرب من الخمر … تحرّكَ تحرُّكَ الملدوغ !!… شعره وقف!!… وجلـده اقشعرَّ … وعيناه دمعتا !!… وأنفه سال !!… حتى فمه شارك في الاستفراغ !!…
أي درجةٍ تلك التي يصل إليها الإنسان حين ينسى نفسه ؟!!… وينسى زملاءه … وينسى من حوله !!… ولا يتذكر ولا يراقب إلا ربه وخالقه العظيم ؟!!…
لقد قرأتُ كثيرا عن الإسلام … وسمعت منكم أيها الطلاب المسلمون الكثير منذ اختلطتُ بكم … وكنت أراقب !!… أراقب المسلم الذي يصلي !!… والمسلم المتمسك بدينه … وكنت أرى مَنْ لا يصلي ولا يتمسك بدينه … كأي إنسان عادي … لا فرق بينه وبين أيّ رجل من بلادنا الكافرة …
ولكن – وللحقيقة – أقول : أنّ للمتمسك بدينه شخصية خاصة به … وطبعا متميزا … يضطرني إلى التفكير فيه وفي تصرفاته !!
…
واليوم … هذا اليوم بالتحديد … لم أتمالك نفسي !!… نعم لقد رأيت اليوم معنى العبودية والذل لله عند المسلمين الحقيقيين الصادقين … اليوم رأيت كيف يكون حبُّ محمد عليه الصلاة والسلام في قلوب هؤلاء المسلمين الصادقين … رأيت هذا عمليا لا قوليا … فأردت أن أشاركهم في هذا الصدق وهذا الحب وهذا الدين !!
…
سكت"جيمس" قليلا… ثم قال والدموع تتحدر من عينيه :
أرجوكم … علّموني الإسلام … علـّموني الصلاة … أنا منذ اليوم أخوكم … الحمد لله الذي هداني لهذا الدين العظيم !!…
وأنت يا صاحب الدار … لقد كانت نكتة غيّرتْ مجرى حياتي !!… نعم لقد كانت نقطة تحول في حياتي كلها !!…
لم يصدق الحاضرون ما يسمعون … وساد صمت رهيب … ووجوم مُطـبق … لم يقطعه إلا الشيخ "عبد الرحمن" حين قام وقبّل "جيمس" … وردد الشهادة ببطءٍ… ورددها "جيمس" خلفه … وأصبح اسمه منذ ذلك اليوم "محمد جيمس" !!… ثم التفتَ الشيخ "عبد الرحمن" إلى صاحب الدار … وقال له :
الحمد لله الذي استجاب دعائي … والحمد لله الذي هدى مسلما على يديّ … ولأن يهدي الله بكَ رجلا واحدا خيرُ لك من الدنيا وما فيها … سامحك الله يا ولدي على ما اقترفت … وليغفرْ الله لك ما جنيت …
وهنا اغرورقت عينا صاحب الدار بالدموع … وقال والعَبْرة تخنقهُ:
أعدك يا شيخ بأنني منذ الآن لن أقطع الصلاة … ولن أضيع فريضة واحدةً أبداً… واُشهد الله على ذلك … وسأكفّر عما فعلت معك… وسأحج هذا العام لعل الله أن يغفر لي ما اقترفت !!…
وهنا التفت صديق الشيخ الماليزي إلى زميله وهما في صالة المطار … فوجد الدموع تترقرق من عينيه … فقال له
:
هذه هي قصة الشيخ الماليزي التي لا تخطر على بال … ألا تغبط الشيخ الماليزي على هذه النعمة التي أعطاها الله إياه ؟!!…
وشهد بعض الذين حضروا القصة أنهم التقوا ذلك الشاب صاحب المأدبة في الحج و كله ندم علي ما بدر منه