إلي أمي كتبها فاروق جويده فى ذكرى وفاة امه
عامان مرا.. وذاق القلب ماذاقا
مـا عـاد طيـرك فوق النيل خفاقـا
قد مزقـوا ريشه المرصود فانشطرت
شجيرة العمر وسط الريــح أوراقـا
كانوا ذئابا.. رموا العصفور في سفه
لاقــي مـن القـهـر والأهــوال مـا لاقــي
هذا الصغير الذي علمته زمنا
أن يـعشــق النــاس أجناســـا وأعــراقـــا
كم عاش يشدو بحلم لا يفارقه
أن يصبح الكون.. كل الكـون عشـاقـا
قصوا الجناح الذي طرزته زمنا
بــالحـب يـا جـنـتـي ديــنــا وأخــلاقـــا
هذي الوجوه التي ماتت ضمائرها
وشــيـعـت خـلــفهــا عــهــدا ومــيثـــاقــا
هذي الوجوه التي ضلت مواكبها
وســخــرت نــفــسـهــا للــزيـــف أبــواقــا
ما أسوأ العدل صار العدل مقصلة
لـلأبــريــاء.. وأدمـــي الظــلم أعنــاقـــا
عامان يا مهجتي والقلب يسألني
مالي أري الدرب في عينيك قد ضاقا ؟
ما عاد نبض الهوي ينساب في جسدي
كالنيـل يجــري علــي الشــطـآن رقـراقـا
ما عدت أغفو علي صدر يشاطرني
حـزن السـنيـن وينسـي القلــب مــاذاقــا
ما عدت أشدو أمام السرب في فرح
قد ضاع صوتي سدي حزنـا وإرهاقــا
لا تسألي القلب عن نبض يفارقه
شـــاخ الزمــان الـذي عشــنـاه أشــواقــا
يوما غرسنا الهوي في أرضنا أملا
وغــردت حــــولنـــا الأيـــــام إشــــراقــــا
هذي البلاد التي قدستها وطنا
قـد شــــــردت أهلــــهــا أرضـــا وأرزاقـــا
قامرت بالعمر.. والأوطان غانية
كــم راودت فــي الهــوي لصــا وأفـاقـــا
أجري علي النار والقناص يرصدني
وكــلمــا طــرت كــان الســـهـم سـبــاقـــا
وكيف أهرب والجلاد يتبعني
في كــل ركـن أري ســيفـا.. وأعنـاقـــا
منذ ارتحلت.. وضوء الصبح ينكرني
مـا عــاد في العيـن مثل الأمـس بـراقــا
في سكرة الجرح أغفو.. ثم يوقظني
صــوت الحنيــن يطيــر الشـوق خـفـاقـــا
هل تسألين عن الأحباب ؟.. قد رحلوا
وأنــكـــروا بعدنــــا عــهـــــدا وميــثــاقــــــا
قومي.. وصلي معي.. فالأرض غاضبة
والناس ضجت.. وصدر الكون قد ضاقا
ردي إلي الأرض شيئا من طهارتها
قد أفسدوا النيــل.. أخــــلاقا وأذواقــــا
ردي إلي الروح شيئا من جسارتها
أخشي مع القهر أن تهــوي.. وتنــساقــا
ردي إلي القلب شيئا من براءته
صارت قصـور الهـوي للعــري أســواقـــا
ما غاب وجهك عن عيني.. ولا انطفأت
مـواســم العشـــق فـي عيـنــي أشــواقــا
عامان والنيل في يأس يعاتبني
وكــلمــا ضــم جرحي زاد إشــفـــاقـــا
عامان والحزن منساب بأوردتي
وكم سري في دمي يأسا.. وإخفــاقــا
يا جنة العمر.. يا روحي التي رحلت
لا تسـألي القلـب هل أضنــاه مالاقـي؟
في ليلة دارت الدنيا.. وحاصرني
ركب الذئاب.. وذاق القلب ماذاقــا
غامت أماني حتي صرت أجهلها
وسافـرت في المــدي شعــرا وأوراقــا
وصحبة أقفرت.. شاخت مجالسها
وودعــت بالأســي عـمــرا وأشــواقـــــا
هذي هي الأرض.. حولي الآن قد صغرت
ضاق المكان.. وعمر الحلـم ماضـاقــا
حزن بلون الأسي ينساب في وطن
يبكــي علــي أهــلــه نـاســا وأرزاقــــا
**********************************
هذا زمان يري في البطش غايته
ويرفـع الظلــم بـيـن النــاس ميثـاقـــا
في كل بيت حزين.. قد تري أسدا
كالقزم يمشي.. ويبدو الفأر عمـلاقــا
في رحلة العمر أيام لنا ضحكت
فيها القلـوب.. وهز الفــرح أعـماقـــا
لن ترحل الشمس يوما عن مدينتنا
حتي وإن أنجبت في الليـل أفــاقــا
لن يصبح النيل قوادا لغانية
ولــن يــصيــر حمــاة العــدل أبــواقــا
يبقي مدي الدهر قداسا ومئذنة
وقبــــلــة للهــــدي ديـــنــا وأخـــلاقــــا
يا جنة العمر.. يا روحي التي رحلت
لا تسألي الدمع: كم أدميت أحداقا ؟
منذ ارتحلت وهذا القلب يسألني:
هل يرجع الطير فـوق النيــل خفاقــا ؟
من لي بصدر حنون.. لا يساومني
ولا يــري في الهـــوي ذلا وإشـــفـاقـــــا
عامان مرا.. وذاق القلب ماذاقا
لا تسألي الطير كم أضنــاه مــا لاقــي ؟
عامان مرا.. وجرحي نازف أبدا
وكلمــا جــف.. عــاد الشــوق دفــاقــــا
يمضي بي العمر.. قلب الأم يسكنني
ولا أري بــعـــــده حـــبـــا وأشـــواقـــــــا
ما كنت أول من ذابت جوانحه
ولست آخر قلـب مـــات مشـــتـــاقـــــــا